تنشيط سوق مصادر الطاقة المتجددة في الأردن
تغطي الطاقة المولدة من الرياح والطاقة الشمسية ما يقرب من ثلث احتياجات الأردن من الكهرباء - وهي قفزة كبيرة عما كان عليه الوضع قبل 10 سنوات، عندما كانت موارد الطاقة المتجددة غير مستغلة. وتقدم تجربة الأردن في إنشاء هذه السوق الجديدة خارطة طريق للبلدان الأخرى
عشر سنوات كفيلة بإحداث الكثير من التغيرات في حياة البشر.
ما عليك إلا أن تتوجه بسؤال إلى سامر جودة، رئيس مجلس إدارة شركة الأردن لطاقة الرياح. فقبل عشر سنوات، لم يكن هناك قانون ينظم استخدام مصادر الطاقة المتجددة ولم يكن هناك اهتمام من المستثمرين المحليين أو الدوليين بدعم أي مشاريع للطاقة المتجددة في الأردن. وعلى الرغم من أن سامر جودة وبعض القادة الآخرين الذين يتطلعون إلى المستقبل كانوا يدفعون بفكرة أن الموارد الطبيعية للأردن يمكن أن تساعد في تلبية الطلب الملح على الطاقة الخضراء، يجول جودة بذاكرته ليقول كان طريق المضي قدما محفوفا بالعقبات
لكن جودة، مع مجموعة من المستثمرين الدوليين ذوي الخبرة والرؤى، رفضوا الاستسلام واجتمعوا مع مؤسسة التمويل الدولية لتبادل الأفكار حول اقتراح جريء ألا وهو إقامة أول مزرعة رياح ممولة من القطاع الخاص في المملكة. وفي هذا يقول ووجه باسما وهو يستعيد شريط الذكريات: "لقد كنا حالمين".
وبعد بضع سنوات فقط، في عام 2015، أصبحت هذه "الفكرة المستحيلة" حقيقة واقعة تجسدت في مزرعة رياح الطفيلة. وكان هذا أول وأكبر مشروع لطاقة الرياح على نطاق المرافق يموله القطاع الخاص في الشرق الأوسط.
ويرى جودة أن القوة الدافعة لإقامة مزرعة الرياح في الطفيلة، وغيرها من مشاريع الطاقة المتجددة في الأردن التي تلت ذلك تتجلى في تضافر جهود العديد من الشركاء لإنشاء سوق جديدة ناجحة من الصفر.
وبفضل هذه الجهود، يحتل الأردن الآن المرتبة 15 عالميا والأولى في الشرق الأوسط من حيث نسبة الكهرباء التي يتم الحصول عليها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفي عام 2013، قبل بدء هذه المبادرات، احتلت المرتبة 145 عالميا.
ويضيف جودة: "كما تحول الأردن من صفر استثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في عام 2013 إلى جذب أكثر من 4 مليارات دولار من الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة بحلول عام 2023. وجاءت معظم هذه الاستثمارات من خارج الأردن".
ومن الملاحظ أن إنشاء هذه السوق الجديدة يحقق منافع بيئية كبيرة. وكانت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام 2013 ثابتة بسبب عدم وجود مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ ولكنها تراجعت بواقع 3.3 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا في عام 2022 بسبب وجود هذه المشروعات، وهو ما يعادل سحب 730 ألف سيارة ركاب من الطرق كل عام.
“ومن جانبه يقول مختار ديوب، المدير المنتدب لمؤسسة التمويل الدولية: "رحلة الأردن المثيرة للإعجاب في مجال الطاقة المتجددة هي مثال متميز على الأثر الهائل الذي يمكن أن يتحقق في إطار تضافر الجهود والتعاون لتعبئة الموارد، وهذا يذكرنا بأن البلدان لا يمكن أن تحقق الآثار المرجوة إلا من خلال شراكات وتكتلات. وبهذا احتل الأردن مكانة رائدة في خريطة الطاقة العالمية في عشر سنوات فقط، وكانت تجربة المملكة مصدر إلهام للبلدان الأخرى لتحذو حذوها".
مزرعة رياح الطفيلة
أرست مزرعة رياح الطفيلة التابعة لشركة JWPC، المملوكة لشركة مصدر وتاماسوك وابيكورب، الأساس لإنشاء سوق الطاقة المتجددة في الأردن. وبحسب ما أدلى به جودة فقد رسخ المشروع الثقة في السوق الدولية للإقراض والاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال الطاقة المتجددة في الأردن. وكان المشروع مهما لأنه اختبر الإطار القانوني القائم لمثل هذه المشروعات؛ وساعد في وضع إطار شامل للتنظيم والتسعير يمكن تطبيقه في مشاريع أخرى، بما في ذلك استخدام مختلف تكنولوجيات الطاقة المتجددة؛ ونماذج وثائق المشاريع للمشاريع اللاحقة.
وأصبح بالإمكان إنشاء مزرعة رياح الطفيلة بسبب وجود حزمة تمويل بقيمة 221 مليون. وقد استثمرت المؤسسة الدولية للتنمية في هذا المشروع واستعانت بصندوق منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) للتنمية الدولية، والبنك الهولندي لتنمية ريادة الأعمال (FMO)، والبنك الأوروبي العربي (EAB)، وصندوق النمو الدانمركي Vaekstfonden (EFK)، وبنك الاستثمار الأوروبي (EIB).
وألمح جودة قائلا "هذه المؤسسات المالية لم تكن مجرد مؤسسات إقراض، بل كانت شركاء حقيقيين، وكان هذا هو مفتاح النجاح.
برنامج الأخوات السبع
بناء على هذا الأساس للطاقة المتجددة في الأردن، تم في عام 2015 تجميع 7 مشاريع مستقلة للطاقة الشمسية في برنامج واحد يسمى "الأخوات السبع". وكانت هذه هي الجولة الأولى من مشاريع الطاقة الشمسية السبعة في الأردن وأكبر مشروع للطاقة الشمسية مملوك للقطاع الخاص في المنطقة آنذاك. وساعد نهج "التوسع" في التغلب على التحديات التي كان سيواجهها كل مشروع على حدة من خلال تجميع كل المشروعات في برنامج تمويل موحد، مما ساعد على جذب المزيد من المستثمرين ومؤسسات التمويل والسماح لمطوري المشاريع بتقاسم التكاليف والموارد.
وفي هذا السياق يقول كريم العزاوي المدير القطري لمصر والأردن في شركة فولتاليا، وهي شركة عالمية رائدة في إنتاج الطاقة وخدماتها: "لقد تم تفعيل الإصلاحات التنظيمية والتشريعات المناسبة لنا لدخول السوق والاستثمار فيها ".
وقد استثمرت فولتاليا في أربع من سبع محطات للطاقة الشمسية الكهروضوئية تابعة لمجموعة الأخوات السبع في عام 2020. ويضيف العزاوي أن ذلك أصبح ممكنا بفضل عقد مرافق عامة مدته 20 عاما تمت من خلال تحويل الإيرادات إلى الدولار وضمانها من جانب الحكومة الأردنية.
مجمع بينونة للطاقة الشمسية
حفزت هذه المشروعات مجموعة من الاستثمارات في الطاقة الشمسية. فعلى سبيل المثال، استثمرت شركة "مصدر" الإماراتية، وهي واحدة من أكبر شركات الطاقة المتجددة في العالم، في إنشاء وتطوير مشروع مجمع بينونة للطاقة الشمسية في الأردن بقيمة 260 مليون دولار.
وتعليقا على ذلك، قال علي بوحجي، رئيس إدارة التنمية والاستثمار لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة مصدر: "لقد جذبت البيئة الداعمة المستثمرين من خارج الأردن، ويعد مجمع بينونة للطاقة الشمسية أكبر مشروع للطاقة الشمسية في المملكة حيث يوفر احتياجات الكهرباء السنوية لحوالي 160 ألف منزل. وهذا المشروع يؤدي إلى خفض انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون بنسبة 4% من الاستهلاك السنوي للطاقة في الأردن".
وفي سياق متصل يقول بوحجي "مثل هذه المشاريع يمكن أن تكون نقاط تحول وتغير قواعد اللعبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتصدي لتغير المناخ".
“ومن جانبه يقول معالي وزير الطاقة والثروة المعدنية، صالح الخرابشة، "إن هذه المشاريع الثلاثة مجتمعة، إلى جانب العديد من المبادرات الأخرى الأصغر حجما على مدى السنوات العشر الماضية، قد دعمت مكانة الأردن "كمركز لإنتاج الطاقة الخضراء. وقد ساهم كل مشروع منها في "النجاح الهائل الذي حققناه في مجال الطاقة المتجددة".
وفي هذا يقول جودة الذي سعى حتى يجعل مشروع مزرعة رياح الطفيلة واقعا ملموسا على الأرض، "إن النجاح لا يعتمد على وجود المشاريع والاستثمارات فحسب، ولكن على من يقودها ويدفعها إلى الأمام. كما يقول: "يتطلب الأمر وجود أصحاب الرؤى والبصيرة من مستثمرين ومقرضين ومستشارين فنيين ومستشارين قانونيين وعلى مستوى الحكومة لتحقيق تضافر الجهود في إطار بلوغ الهدف المشترك المتمثل في إنشاء سوق جديدة"
وسواء أكان هناك مشروع بنية تحتية واحد قيد الدراسة أو عدة مشاريع أصغر حجما معا، كما في حالة مشروع الأخوات السبع، فإن إقامة مشروعات أكبر حجما غاية في الأهمية لاجتذاب الاستثمارات، وفي الوقت نفسه نجد أن اللوائح والضوابط والإجراءات المستقرة ضرورية للنجاح في تعبئة رأس المال.
وإضافة إلى ذلك يقول بولنت إيكيسيك، المدير الإقليمي لشؤون البنية التحتية بمنطقة الشرق الأوسط وباكستان وأفغانستان في مؤسسة التمويل الدولية، "تطبيق المؤسسة النهج نفسه على الأسواق والبلدان الأخرى من خلال توحيد جهود الحكومات والممولين والشركاء الرئيسيين الآخرين لتنفيذ عمليات تشمل العديد من المشروعات.
ففي مصر، على سبيل المثال، قامت المؤسسة بتنسيق حزمة تمويل بقيمة 653 مليون دولار لبرنامج تعريفة التغذية الخاص بمشروع شموس النوبة في عام 2017. كما يضيف قائلا، يضم هذا المشروع 13 محطة للطاقة الشمسية، وهو جزء من مجمع بنبان للطاقة الشمسية، أحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم.
وبالإضافة إلى ذلك، استثمرت المؤسسة وشركة آميا باور وشركاء آخرون في أوائل عام 2023 ما قيمته 1.1 مليار دولار لإقامة أكبر محطة للطاقة الشمسية ومزرعة رياح في مصر، وهي محطة أبيدوس للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 560 ميجاوات، ومشروع أمونت لطاقة الرياح بقدرة 505 ميجاوات.
وفي المرحلة المقبلة، تخطط الحكومة الأردنية لمواصلة الاستفادة من هذا الحراك والزخم. وأردف الخرابشة قائلا: "نستهدف الاستفادة مما حققناه بالفعل، وسيأتي نصف الطاقة في الأردن من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وفي الوقت نفسه العمل مع القطاع الخاص وإعداد إستراتيجية المملكة بشأن مشروعات الهيدروجين الأخضر".
تم النشر في ديسمبر/كانون الأول 2023
إعداد: أليسون باكولز